ماذا يجري في إسبانيا.. إزاء المغرب؟

admin
السلطة الرابعة
admin15 مارس 2022آخر تحديث : منذ 3 سنوات
ماذا يجري في إسبانيا.. إزاء المغرب؟

بقلم : عبد الحميد جماهري

تأليبٌ واسع من العسكريين واليمين واليمين المتطرف وبعض اليسار
تداولت الصحافة الإسبانية، في اليومين الأخيرين، مضامين كتاب أصدره رئيس هيئة أركان الدفاع في إسبانيا سابقا فيرناندو أليخاندري بما يليق بكتاب صادر عن أول شخصية قيادية عسكرية في إسبانيا في الفترة ما بين 2017 و2020.
ولا يمكن أن نعاتب الصحافة على شهيتها المفتوحة على مصراعيها أمام مأدبة شهية من هذا القبيل يقدمها عسكري مشهور، عن الفترة التي تولى فيها التسيير، وعن توقعاته عن الأولويات العسكرية لبلاده في الفترة الحالية وفي السنوات القليلة القادمة.
نحن أيضا ضيَّفنا أنفسنا في هذه المأدبة، والتهمنا بغير قليل من الجوع المعرفي والإعلامي ما نشرته الصحافة عن ذلك، ولاسيما ما يتعلق بالمغرب.
ومن الناجع أن نعرف أن الرئيس الأعلى في قمرة القيادة العسكرية حديثا، يعتبر «المغرب تهديدا مباشرا لإسبانيا»، وأن تهديد جيرانهم الجنوبيين سيأخذ شكلا ملموسا و»يتجسد في النهاية،عبر وسائل وأدوات هجينة (أو مختلطة ) على طريقة «انتفاضة»، ورويدا رويدا سيحول المغرب هذه الحرب الهجينة «إلى نزاع مسلح» كما هو متعارف عليه حربيا!
صحيح أن رئيس هيئة الأركان السابق لا يتحدث عن «تهديد فوري وآني»، لكن الرجل الذي اشتغل مع رئيسين للحكومة أحدهما يميني، هو ماريانو راخوي، والآخر يساري هو بيدرو سانشيز، أصدر كتابا بكل المواصفات لكي يتحدث بالفعل عن طبيعة هذا التهديد وآفاقه.
في الكتاب جزء من تصفية الحساب لا يغفله المتابع، سواء مع الطبقة السياسية التي فرضت عليه الانسحاب، أو مع جزء من شعب اليسار، الذي يعتبر أنه »تخلى عن التزامه الوطني»..

للكتاب عنوان مثير حقا: «خدمة الملك، وتشريف الوطن. «’Rey servido y patria honrada»، للتأكيد على دور الجيش في الدفاع عن سيادة إسبانيا واستقلالها وعن وحدتها الترابية والنظام الدستوري، داخل منظومة وطنية من القيم..» التي يتأسف أنها «لم تعد موجودة في المجتمع»..
الكتاب دفاع شرس عن أدوار الجيش وضروراته، وانتقاد لتغييبه في الكثير من القرارات، ومنها قرارات استفتاء كاطالونيا، وتخوف من تحويل الجنود إلى مجرد عناصر في جهاز للإسعاف، أو من تذويبهم في »منظمة غير حكومية «كبيرة..
هو صوت الجيش للدفاع عن أدواره، ورمزه في الثقافة العسكرية الإسبانية التي قلما تكون أدبياتها موضوع سجال في الفضاء الإعلامي والعمومي.
وعندما ينال المغرب حظا وافرا من فصول الكتاب، ويجد نفسه في خانة الأعداء المحتملين الذين على بلاده، على المدى المتوسط أو الطويل، «أن تأخذهم بعين الاعتبار في نزاع مسلح قادم»!.
وتنال استثمارات المغرب، أو نفقات التسليح حيزا أساسيا في بناء الجنرال لاستراتيجية التخويف من المغرب، لاعتقاده بأن هذا التهديد سيتجسد قريبا» عندما يحين الوقت»!. وينبه الجنرال دولته إلى أن الحرب ستبدأ من خلال مناوشات مختلطة مثل… «الهجمات على حدود سبتة ومليلية قبل أن تتحول إلى نزاع مسلح»، وهو تهديد خطير لا ينبغي أن يسمح ولو »بدقيقة استرخاء واحدة»!!
العودة إلى البلاغة العسكرية، في هذه الآونة بالذات من طرف عسكري مازال حديث العهد بمغادرة قمرة القيادة، يطرح سؤال السياق، وما إذا كانت نزلة حرارة ذات قرابة حربية مع ما يجري في المحيط الأوربي القريب لإسبانيا.أم أنه ذو صلة بما هو أعمق؟

في‮ ‬الواقع قليلة هي‮ ‬اللحظات التي‮ ‬يكون الحديث العسكري‮ ‬تعبيرا في‮ ‬نفس الوقت عن صعود لدى جزء ‬من ‬الطبقة السياسية،‮ ‬كما هو حال كتاب السيد أليخاندرو‮.‬
‮ ‬ففي‮ ‬نفس السياق،‮ ‬يقع المغرب،‮ ‬بالرغم من أنفه‮ ‬
في‮ ‬أجندة الاهتمام السياسي‮ ‬في‮ ‬شمالنا، ‬كموضوع لمزايدات العسكريين واليمينيين وأنصار سابقين لليسار الانفصالي‮ ‬والعديد من التيارات الفرانكوية المتحورة‮..‬
يقول صاحب الكتاب إنه لم‮ ‬يكن لا‮ ‬يمينيا ولا ‬يساريا أبدا،‮ ‬لكن التزامن السياسي‮ ‬والمحيط الحالي،‮ ‬يجعل كتابه‮ ‬يغذي‮ ‬أطروحات بعينها ويتصادى معها حرفيا‮.‬
فقد تقدم حزبا‮ ‬vox‮ ‬والشعبي‮ ‬بطلب إلى الكونغريس الإسباني‮ ‬من أجل وضع سبتة ومليلية تحت مظلة الناتو،‮ ‬الحلف الأطلسي،‮« ‬احتمالا لمحاولة زعزعة‮ ‬يقوم بها المغرب‮ ‬،‮ ‬ولتوفير القدرة على الرد السريع والناجح عليه‮«‬.‬‮ ‬
هل المغرب مطالب بأخذ الأشياء بجدية كما‮ ‬يراد له،‮ ‬أم أن ‬الأمر نقاش‮ ‬داخلي‮ ‬لا علاقة له به؟
في‮ ‬الواقع إذا التزمنا كزاوية للنظر،‮ ‬العلاقات بين الرباط ومدريد وما عرفته من تطورات منذ سقوط‮ ‬غرناطة في‮ ‬حب‮ «‬ابن بطوش‮»‬،‮ ‬فإن الوضع لا‮ ‬يستوجب كل هذا الشحن الحربي‮ ‬وقرع الطبول الهائلة،‮ ‬وعليه فإن الأسباب في‮ ‬تقدير‮ ‬هذا العبدالضعيف لرحمة ربه‮ ‬يجب‮ ‬البحث عنها في‮ ‬الداخل الإسباني‮ . ‬ومن هنا قد‮ ‬يكون الاستنتاج هو أن كل هذا التصعيد والتجييش،‮ ‬العسكري‮ ‬واليميني،‮ ‬المؤسساتي‮ ‬منه والإعلامي،‮ ‬هو رفض‮ ‬مبطن لما صرح به‮ «‬الملك فيليب السادس‮»‬،‮ ‬منذ أسابيع،‮ ‬عن ضرورة الوصول إلى‮ «‬اتفاقية‮ ‬تليق بالقرن الواحد والعشرين‮» ‬مع المغرب.هل تملك هذه الجملة البسيطة القدرة على إثارة زلزال بهذا الحجم؟

في‮ ‬الواقع إنها دعوة إلى إسبانيا جديدة أكثر من اتفاقية جديدة مع صديق لدود قديم‮!‬
وإسبانيا جديدة باتفاقية للقرن الواحد والعشرين،‮ ‬يكون أول ما تتحرر منه هو الإرث الاستعماري‮ ‬إزاء المغرب‮.‬
أولا،‮ ‬لكي‮ ‬تدخل إسبانيا القرن الواحد والعشرين هي‮ ‬مطالبة بالخروج من القرن العشرين ومن القرن التاسع عشر،‮ ‬وربما القرن الخامس عشر،‮ ‬أي‮ ‬قرون الاحتلالات المتتالية للتراب المغربي‮…‬
ثانيا،‮ ‬عليها أن تعترف بالقدر نفسه بالمواثيق التي‮ ‬تساعدها على التحرر من خلفيات هذا التاريخ،‮ ‬ومنها‮ «‬اتفاقية مدريد‮» ‬الثلاثية بينها وبين المغرب وموريتانيا في‮ ‬1975‮ ‬حول الصحراء المغربية‮.‬
وهو أقل شيء‮ ‬يمكنها أن تعلن بواسطته،‮ ‬بطريقة‮ ‬غير مباشرة،‮ ‬عن الاعتراف بمغربية الصحراء،‮ ‬بما أنها هي‮ ‬التي‮ ‬كانت تستعمرها،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬منحت المغرب مفاتيح الصحراء في‮ ‬اتفاق رسمي‮ ‬وعلني‮..‬
ثالثا،‮ ‬لا‮ ‬يمكن لأي‮ ‬إسباني‮ ‬كان أن‮ ‬يعتبر بأن سبتة ‬ومليلية سقطتا من أجندة التحرر والتحرير بالنسبة ‬للمغاربة،‮ ‬والتركيز شبه المرضي‮ ‬اليوم‮ ‬على حروب‮ «‬هجينة وأخرى مختلطة وثالثة كلاسيكية‮» ‬حولهما،‮ ‬هو نوع من استثناء المدينتين السليبتين من اتفاقية بأفق القرن‮ ‬ ‬الواحد ‬العشرين.‬‮ ‬وعليه فإن محاولة توريط الجيش في‮ ‬معارضة أي‮ ‬حل،‮ ‬وتقديم المدينتين كجبهة أمامية في‮ ‬الحرب القادمة هو نوع من التحصين الاستباقي‮ ‬لأي‮ ‬نقاش حولهما،‮ ‬والدعوة إلى توريط‮ «‬الناتو‮»‬،‮ ‬والذي‮ ‬يعتبر المغرب الشريك الأول من خارجه ذي‮ ‬العلاقة المتميزة،‮ ‬هو هروب إلى الأمام‮ ..‬
المغرب مازال‮ ‬ينتظر الخطوات العملية لتنفيذ هذا التوجه الجديد المعلن عنه من طرف ملك إسبانيا ورئيس حكومتها،‮ ‬كما‮ ‬ينتظر أن تقرأ إسبانيا الحاضر والماضي‮ ‬بعين المستقبل‮ ..‬
فلا‮ ‬يمكن لبلاد القرن والعشرين أن‮ ‬يكون حاضرها الوحيد،‮ ‬في‮ ‬العلاقة مع الجار الجنوبي‮ ‬هو‮ …‬ماضيها‮! ‬

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة