أبوالقاسم الشـــبري
عالم آثار ومؤلف
يعلم الراسخون أن خُطب زعماء الدول هي كتلة من الإيحاءات والتلميحات والاستشرافات، ظاهرة أو خفية بين ثنايا تلك الخُطب، وإليها يلتفت المحللون، أكثر من تركيزهم على الأفكار الصريحة الواضحة. وما يهمنا في هذه الورقة هو الوقوف عند استحضار بعض من صفحات التاريخ والحضارة في خطاب العرش لملك المغرب الذي تم بثه يوم 31 يوليوز 2021، والذي خصص جُزأه الأول لجهود المغرب في مكافحة جائحة كورونا، بينما جاء جزءه الثاني نداء صريحا إلى حكام الجزائر.
في خطاب العرش لملك المغرب محمد السادس في يوليوز 2021، وبغض النظر عن الخطاب الواضح الصريح إلى قادة الجزائر بتجديد “الدعوة الصادقة” إلى تصحيح الوضع المختل بين الجارين، “دون شروط”، نقرأ شذرات من التاريخ المشترك والحضارة الموحدة التي بناها شعب واحد قبل ان ينقسم إلى شعبين، أو بالأحرى إلى شعوب وأقطار. ولأن الملوك لا يتحدثون طويلا ولا كثيرا، فقد لخص الملك محمد السادس آلاف السنين من تلك الوحدة المغاربية في عبارات قصيرة، لكنها دالة وعميقة، لعل ذوي الألباب يتلقفونها. فقد وصف الملك الجزائر والمغرب ب”الجسد الواحد” وهو يتحدث، في جملتين قصيرتين مُعبرتين، عن الترابط الجَــدَلي/الديالكتيكي بين أمن واستقرار البلدين. ثم يضيف محمد السادس، لمن يحتاج إلى توضيح، قائلا : “فالمغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان”. ولعمري إنه لوصف بليغ جدا، وهو يذكرنا بالحلول الصوفي بتعبير الحَــلاج “نحن روحان حللنا بدنا”، مثلما يشدد على المبدإ الطبيعي في التكامل، لينبُذ في نفس الوقت نعرات التفرقة والصراع المجاني. ولمن يعتبر، عليه أن يقف مليا عند عبارتي “التوأم” و”التكامل”، إذ هو تكامل من نوع خاص ومخصوص، لا ترقى إليه كل أصناف التكامل بين أجساد أخرى
المصدر : https://assadaassiassi.com/?p=6775
عذراً التعليقات مغلقة