بيوتات قبائل دائرة أيت باها

admin
اخبار وطنية
admin1 يونيو 2023آخر تحديث : منذ سنة واحدة
بيوتات قبائل دائرة أيت باها

——————-
في إطار بحثنا في تاريخ بيوتات أعلام العائلة البوشوارية الكبرى، المنتشرة فروعها في القبائل التابعة لدائرة أيت باها، وبعد أن تعرفنا على أقطاب الفروع البوشوارية الثلاثة التيكناتية والواغزنية والتيفيراسنية، تعالوا لنواصل جمع المزيد من المعلومات حول الفروع الأخرى البوشوارية، ومنها الفرع التاغرابوتي، نسبة لأصلها في بلدة تاغرابوت الوادريمية، وسنتناول في هذه الحلقة أشهر أقطاب هذه العائلة، إن لم يكن الوحيد البارز بين أفرادها العلماء، ولتقصي آثاره وأخباره علينا أن ننتقل الى مهجره في قلب جبال الأطلس الصغير حيث المجالات الترابية لاتحادية قبائل أيت صواب، التي تضم مجموعة من القبائل وهي: أيت يحيى – إيمكوين – أيت باحمان – أيت أوغان – إيمديون – تيوازوين – أيت ويكمان – أيت ايكيسل، التابعة مجتمعة اداريا لجماعات تنالت وتاركانتوشكا وأوكنز، وبين أعالي هذه الجبال الشامخة وبالضبط على قمة جبل تنالت، تتراءى لنا قبة خضراء يحيط بها مركب المدرسة العتيقة، وتتوسط سوق ثلاثاء تنالت قاعدة اتحادية قبائل أيت صواب، ومقر الجماعة القروية الحاملة لاسمها، وفي داخل هذه القبة يرقد آخر قطب صوفي عرفه تاريخ المذهب الصوفي في سوس.
فمن هو هذا القطب التاغرابوتي الصوفي الشهير ؟ إنه سيدي الحاج الحبيب البوشواري، وللتعريف بهذه الشخصية الدينية، لن أكون أفضل من أساتذتنا وعلمائنا الذين كتبوا عن سيرته الشيء الكثير، ومساهمة مني شخصيا سأشير فقط الى بعض المعلومات والمحطات التاريخية في سيرته المباركة.
اسمه الأصلي (محمد) أما (الحبيب) فهو لقبه، واسمه الكامل : سيدي الحاج محمد الحبيب بن الحاج ابراهيم بن الحاج عبدالله بن الحاج محمد بن امحمد بن احمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر (دفين قرية أيت واغزن بأيت ويكمان) الشريف البوشواري الادريسي الحسني.
ولد بدوار أيت الطالب ابراهيم بقبيلة أيت ميلك الشتوكية نحو 1285هـ / 1868م وأصل والده سيدي إبراهيم من بلدة تاغرابوت بقبيلة أيت فالاس التابعة لاتحادية قبائل أيت وادريم، انتقل منها إلى قبيلة أيت ميلك باشتوكن، وكلمة (تاغرابوت) حسب فهمي الشخصي اسم تصغير أمازيغي لكلمة (أغرابو) وهو الفلك أو المركب البحري.
يقول عنه العلامة المختار السوسي: هو الشيخ البركة النفاعة الصالح المدرس طوال عمره، من زمن تخرجه الى وفاته، وهو في هذا العصر فذ غير مشارك بين الأحياء أمثاله اليوم في خصال شتى، فقد كان من طبقة كانت تخب وتضع في عمارة مدارس جزولة، فقد كان العلامة سيدي الحاج مسعود الوفقاوي، وسيدي الطاهر الافراني، وابنه سيدي محمد الطاهر الافراني، والامام الصوفي سيدي احمد بن مسعود المعدري، كانوا يجدون في ملازمة التدريس، ثم انقرضوا فلم يبق من بعدهم الا سيدي الحاج الحبيب الذي لا يزال يستفرغ جهوده في الاكباب على التدريس، لا شغل ولا همة الا في ذلك، ولا مال ولا أولاد ولا تشوف الا لنفع الطلبة تعليما واعانة وتهذيبا وتموينا، فاستطاع بذلك أن يملأ فراغا يكاد يخلو لولاه، ولولا بعض الآخرين أمثال أبي سالم الادوزي وأمثاله من المسنين الذين لا يزالون يؤدون الواجب. انتهى كلام المختار السوسي.
أخذ سيدي الحاج الحبيب القرآن عن شيخه سيدي محمد بن عبدالسلام الميلكي الهشتوكي، وسيدي احمد بن محمد من أيت الامين، والمقرئ سيدي محمد بن العربي الامزالي الشهير، وسيدي سعيد المغراوي، وأتم حفظ القرآن سنة 1314هـ / 1896م، كما درس العلوم من شيوخه : سيدي العربي بن ابراهيم الازكري التودماوي الصوابي في (مدرسة فوكرض)، كما تخرج بالعلامة سيدي العربي بن ابراهيم الادوزي، وعن سيدي احمد الجشتيمي، وسيدي الحسن التيمكيدشتي، وسيدي الحاج عابد البوشواري، وسيدي الطاهر بن محمد بن صالح من قرية (أيت بلا) بقبيلة اداوامحمد الهشتوكية، كما تخرج عن العلامة سيدي محمد اوعبو الولياضي، وعن الشيخ ماء العينين حينما التقاه في تيزنيت وأجازه في جميع العلوم، وكذا ابنه الشيخ احمد الهيبة بن ماء العينين، ثم الشيخ مربيه ربه في أيام الكفاح ضد الإحتلال، وسيدي محمد بن جعفر الكتاني المهاجر الى المدينة المنورة، والشيخ يوسف النبهاني في حجته عام 1913م، والشيخ عمر حمدان التونسي في الحرمين الشريفين.
أما شيوخه في التصوف فهم : والده سيدي ابراهيم الصوفي الكبير، الذي تصوف على يد سيدي عبدالقادر البعاريري، خليفة الشيخ سيدي الحاج مبارك الكلالشي الهواري، من أصحاب الشيخ سيدي احمد بن عبدالله المراكشي، الآخذ عن مولاي العربي الزوالي.
أما حياته الجهادية: فقد رافق الشيخ أحد الهيبة سنة 1912م في مقدمة الفرسان الشتوكيين، وكان أحد العلماء السوسيين الذين معه الى جانب سيدي محمد اوعبو الولياضي، وسيدي محمد بن احمد الايكراري، وسيدي الطاهر الايفراني، وسيدي البشير الناصري، وروى المختار السوسي أن الباشا ادريس منو، حكى له بأن سيدي الحاج الحبيب هو أول من اتصل به من الهشتوكيين الكبار، ثم كان هو ومن معه من المتخلفين صبيحة خروج الهيبة، حيث اختبأوا في دار الى الليلة المقبلة، فانسلوا، ثم كان يتردد على الهيبة وعلى خلفه مربيه ربه، الى أن كان ما كان سنة 1352هـ / 1933م، فدهم الاحتلال كل جبال سوس، وهاجر ثانيا الى أيت باعمران مستخفيا، ولما رجع منها توجه الى تنالت مجاورا أهله الى آخر يوم في حياته.
ومن المدارس التي أدب وعلم ودرس فيها: المدرسة الهوزالية قرب مشهد الشيخ سيدي امحمد أكبيل نحو عامين، ثم مدرسة تازموت بقبيلة ايكطاي نحو عامين، ثم مدرسة سيدي بوالرجا في أعالي هشتوكة نحو عامين الى 1912م، ثم مدرسة امكوين بأيت صواب، وأخيرا مدرسة تانالت، وهي آخر المدارس التي استقر فيها الى وفاته.
حجه : حج الى بيت الله الحرام ثلاث حجات، سنة 1913م و 1933م و 1950م
تلاميذه : تخرج على يديه نخبة من العلماء الأجلاء لا يتسع المجال هنا لسرد أسمائهم وكلهم من الفضلاء الأجلاء ومفاخر الوطن الأعزاء.
التقاه العلامة المختار السوسي في مدينة الدارالبيضاء سنة 1950م، وقال واصفا هذا اللقاء : كان لقاء خفيفا لا يكفي بمثل هذا الصالح، فشد المختار السوسي الرحال اليه في مستقره بتنالت، فشاهد فيه سيبة نور، ووقار العالم، وتؤدة العاقل، وثبات اللبيب، ومعية الذكي، وتواضع الصوفي، وقلة الكلام الا الهادف، وصاحبه في سيارة الى فوكرض، وتكلف من السير ما تعجز عنه ركبتاه، مع ضعف بنيته، فكان كلما رآه يقول انني أنظر الآن الى رجل فذ قلما يوجد له نظير في اقرانه.
وفاتــه:
توفي سيدي الحاج محمد الحبيب البوشواري، يوم الإثنين 17 يناير 1977م، ودفن بجوار مدرسته في تنالت، رحمه الله، وهو بحق آخر رجال التصوف المحترمين والمهابين، واتخذ تلاميذه وأحباؤه يوم وفاته موسما سنويا يجتمعون فيه بتنالت لزيارة ضريحه ومدرسته والترحم عليه، والعمل من أجل استمرار رسالته التعليمية والتربوية.
—————————————
ويشرفني أن أختم كلمتي، بأنني كان لي شرف زيارة هذا المجاهد الصالح مرتين، في صغري بصحبة أعمامي سنة 1965م، وفي كبري سنة 1975م قبيل وفاته بقليل، وشاهدت عن قرب شخصية دينية كنت متشوقا لرؤيتها، لما يحكى لنا عن أحوال الأولياء والصالحين من سلوك فريد وأخلاق عالية وبركات ظاهرة، وكل هذه الخصال رأيتها في الشيخ سيدي الحاج الحبيب عن قرب، وكان آنذاك في صحة جيدة، ممتلئ الوجه، معتدل الجسم، أبيض اللون، حليق شعر الرأس، يلبس الحايك الأبيض، ويغطي رأسه بطرف من ردائه، ولا يضع أي غطاء على رأسه لا طاقية ولا عمامة، وكان يديم النظر الى السماء، قليل الكلام الا أن يجيب عن سؤال مفيد فقط، ولا يحب الأسئلة الفارغة، فقد سأله أحد الزوار بالأمازيغية (ما نيكان دارون أسيدي) أجابه الشيخ (أورسينخ ايزد أصحاب الجنة نخ أصحاب السعير)، وهو جواب يخفي وراءه قلقا وحسرة عن وطن أجداده الذي هجره مرغما لظروف وطنية وجهادية.
وفي المرة الثانية في السبعينات زرته في مدرسته العتيقة بتنالت، وقد وهن عظمه، وهزل جسمه، لا يكاد يسمع صوته، واكتفيت بالسلام عليه والتماس دعائه رحمه الله وألحقه مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.
——————————————
المصادر : مشار اليها في قلب الموضوع
والى الحلقة القادمة مع تحيات محمد زلماضي المزالي

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة